فصل: فصل: اختلاف الشهادة على الوكالة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وشراء الرجل لنفسه من مال ولده الطفل جائز وكذلك شراؤه له من نفسه‏]‏

يعني أن الأب يجوز أن يشتري لنفسه من مال ابنه الذي في حجره ويبيع ولده من مال نفسه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ومالك والأوزاعي وزادوا الجد فأباحوا له ذلك وقال زفر لا يجوز لأن حقوق العقد تتعلق بالعاقد فلا يجوز أن يتعلق به حكمان متضادان‏,‏ ولأنه لا يجوز أن يكون موجبا وقابلا في عقد واحد كما لا يجوز أن يتزوج بنت عمه من نفسه ولنا أن هذا يلي بنفسه‏,‏ فجاز أن يتولى طرفي العقد كالأب يزوج ابنته عبده الصغير والسيد يزوج عبده أمته ولا نسلم ما ذكره من تعلق حقوق العقد بالعاقد لغيره فأما الجد فلا ولاية له على ابن ابنه‏,‏ على ما سنذكره في موضعه فينزل منزلة الأجنبى ولأن التهمة بين الأب وولده منتفية إذ من طبعه الشفقة عليه‏,‏ والميل له وترك حظ نفسه لحظه فلذلك جاز وفارق الجد والوصى والحاكم وأمينه فإن التهمة غير منتفية في حقهم وأما تولى طرفي العقد‏,‏ فيجوز بدليل الأصل الذي ذكرناه ولا نسلم ما ذكره فيما إذا أراد أن يتزوج ابنة عمه بل يجوز بدليل أن عبد الرحمن بن عوف قال لابنة قارظ‏:‏ أتجعلين أمرك إلى‏؟‏ قالت‏:‏ نعم قال‏:‏ قد تزوجتك ولئن سلمنا فإن التهمة غير منتفية ثم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وما فعل الوكيل بعد فسخ الموكل أو موته فباطل‏]‏

وجملته أن الوكالة عقد جائز من الطرفين‏,‏ فللموكل عزل وكيله متى شاء وللوكيل عزل نفسه لأنه إذن في التصرف فكان لكل واحد منهما إبطاله‏,‏ كما لو أذن في أكل طعامه وتبطل أيضا بموت أحدهما أيهما كان وجنونه المطبق ولا خلاف في هذا كله فيما نعلم فمتى تصرف الوكيل بعد فسخ الموكل‏,‏ أو موته فهو باطل إذا علم ذلك فإن لم يعلم الوكيل بالعزل ولا موت الموكل‏,‏ فعن أحمد فيه روايتان وللشافعي فيه قولان وظاهر كلام الخرقي هذا أنه ينعزل علم أو لم يعلم ومتى تصرف فبان أن تصرفه بعد عزله أو موت موكله‏,‏ فتصرفه باطل لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضي صاحبه فلا يفتقر إلى علمه كالطلاق والعتاق والرواية الثانية عن أحمد‏,‏ لا ينعزل قبل علمه بموت الموكل وعزله نص عليه في رواية جعفر بن محمد لأنه لو انعزل قبل علمه كان فيه ضرر لأنه قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة‏,‏ وربما باع الجارية فيطؤها المشترى أو الطعام فيأكله أو غير ذلك‏,‏ فيتصرف فيه المشترى ويجب ضمانه ويتضرر المشترى والوكيل ولأنه يتصرف بأمر الموكل‏,‏ ولا يثبت حكم الرجوع في حق المأمور قبل علمه كالفسخ فعلى هذه الرواية متى تصرف قبل العلم‏,‏ نفذ تصرفه وعن أبى حنيفة أنه إن عزله الموكل فلا ينعزل قبل علمه لما ذكرنا وإن عزل الوكيل نفسه لم ينعزل إلا بحضرة الموكل لأنه متصرف بأمر الموكل‏,‏ فلا يصح رد أمره بغير حضرته كالمودع في رد الوديعة ولنا ما تقدم فأما الفسخ ففيه وجهان‏,‏ كالروايتين ثم هما مفترقان فإن أمر الشارع يتضمن المعصية بتركه ولا يكون عاصيا من غير علمه وهذا يتضمن العزل عنه إبطال التصرف‏,‏ فلا يمنع منه عدم العلم‏.‏

فصل

ومتى خرج أحدهما عن كونه من أهل التصرف مثل أن يجن أو يحجر عليه لسفه‏,‏ فحكمه حكم الموت لأنه لا يملك التصرف فلا يملكه غيره من جهته قال أحمد في الشركة‏:‏ إذا وسوس أحدهما فهو مثل العزل وإن حجر على الوكيل لفلس فالوكالة بحالها لأنه لم يخرج عن كونه أهلا للتصرف وإن حجر على الموكل‏,‏ وكانت الوكالة في أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه في أعيان ماله وإن كانت في الخصومة أو الشراء في الذمة‏,‏ أو الطلاق أو الخلع أو القصاص‏,‏ فالوكالة بحالها لأن الموكل أهل لذلك وله أن يستنيب فيه ابتداء فلا تنقطع الاستدامة وإن فسق الوكيل لم ينعزل لأنه من أهل التصرف‏,‏ إلا أن تكون الوكالة فيما ينافيه الفسق كالإيجاب في عقد النكاح فإنه ينعزل بفسقه أو فسق موكله بخروجه عن أهلية التصرف وإن كان وكيلا في القبول للموكل‏,‏ لم ينعزل بفسق موكله لأنه لا ينافى جواز قبوله وهل ينعزل بفسق نفسه‏؟‏ فيه وجهان وإن كان وكيلا فيما تشترط فيه الأمانة كوكيل ولى اليتيم وولى الوقف على المساكين‏,‏ ونحو هذا انعزل بفسقه وفسق موكله بخروجهما بذلك عن أهلية التصرف وإن كان وكيلا لوكيل من يتصرف في مال نفسه انعزل بفسقه لأن الوكيل ليس له توكيل فاسق‏,‏ ولا ينعزل بفسق موكله لأن موكله وكيل لرب المال ولا ينافيه الفسق ولا تبطل الوكالة بالنوم والسكر والإغماء لأن ذلك لا يخرجه عن أهلية التصرف‏,‏ ولا تثبت عليه ولاية إلا أن يحصل الفسق بالسكر فيكون فيه من التفصيل ما أسلفناه‏.‏

فصل

ولا تبطل الوكالة بالتعدى فيما وكل فيه‏,‏ مثل أن يلبس الثوب ويركب الدابة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني تبطل الوكالة لأنها عقد أمانة‏,‏ فتبطل بالتعدى كالوديعة ولنا أنه إذا تصرف فقد تصرف بإذن موكله فصح‏,‏ كما لو لم يتعد ويفارق الوديعة من جهة أنها أمانة مجردة فنافاها التعدي والخيانة والوكالة إذن في التصرف تضمنت الأمانة‏,‏ فإذا انتفت الأمانة بالتعدى بقي الإذن بحاله فعلى هذا لو وكله في بيع ثوب فلبسه صار ضامنا فإذا باعه صح بيعه‏,‏ وبرئ من ضمانه لدخوله في ملك المشترى وضمانه فإذا قبض الثمن كان أمانة في يده غير مضمون عليه لأنه قبضه بإذن الموكل ولم يتعد فيه ولو دفع إليه مالا‏,‏ ووكله في شراء شيء فتعدى في الثمن صار ضامنا له‏,‏ فإذا اشترى به وسلمه زال الضمان وقبضه للمبيع قبض أمانة وإن وجد بالمبيع عيب‏,‏ فرد عليه أو وجد هو بما اشترى عيبا فرده وقبض الثمن‏,‏ كان مضمونا عليه لأن العقد المزيل للضمان زال فعاد ما زال عنه‏.‏

فصل

وإن وكل امرأته في بيع أو شراء أو غيره ثم طلقها‏,‏ لم تنفسخ الوكالة لأن زوال النكاح لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يقطع استدامتها وإن وكل عبده ثم أعتقه‏,‏ أو باعه لم ينعزل لذلك ويحتمل أن ينعزل لأن توكيل عبده ليس بتوكيل في الحقيقة‏,‏ إنما هو استخدام بحق الملك فيبطل بزوال الملك وإذا باعه فقد صار إلى ملك من لم يأذن في توكيله وثبوت ملك غيره فيه يمنع ابتداء توكيله بغير إذنه‏,‏ فيقطع استدامته وهكذا الوجهان فيما إذا وكل عبد غيره ثم باعه والصحيح أن الوكالة لا تبطل لأن سيد العبد أذن له في بيع ماله والعتق لا يبطل الإذن وهكذا إن باعه إلا أن المشترى إن رضي ببقائه على الوكالة‏,‏ بقي وإن لم يرض بذلك بطلت الوكالة وإن وكل عبد غيره‏,‏ فأعتقه لم تبطل الوكالة وجها واحدا لأن هذا توكيل حقيقة‏,‏ والعتق غير مناف له وإن اشتراه الموكل منه لم تبطل الوكالة لأن ملكه له لا ينافى إذنه له في البيع أو الشراء‏.‏

فصل

وإن وكل مسلم كافرا فيما يصح تصرفه فيه صح توكيله سواء كان ذميا‏,‏ أو مستأمنا أو حربيا أو مرتدا لأن العدالة غير مشترطة فيه‏,‏ وكذلك الدين كالبيع وإن وكل مسلما فارتد لم تبطل الوكالة‏,‏ سواء لحق بدار الحرب أو أقام وقال أبو حنيفة إن لحق بدار الحرب بطلت وكالته لأنه صار منهم ولنا أنه يصح تصرفه لنفسه‏,‏ فلم تبطل وكالته كما لو لم يلحق بدار الحرب ولأن الردة لا تمنع ابتداء وكالته فلم تمنع استدامتها‏,‏ كسائر الكفر وإن ارتد الموكل لم تبطل الوكالة فيما له التصرف فيه فأما الوكيل في ماله‏,‏ فينبنى على تصرفه نفسه فإن قلنا‏:‏ يصح تصرفه لم يبطل توكيله وإن قلنا‏:‏ هو موقوف فوكالته موقوفة‏,‏ وإن قلنا‏:‏ يبطل تصرفه بطل توكيله وإن وكل في حال ردته ففيه الوجوه الثلاثة أيضا‏.‏

فصل

ولو وكل رجلا في نقل امرأته أو بيع عبده‏,‏ أو قبض داره من فلان فقامت البينة بطلاق الزوجة وعتق العبد‏,‏ وانتقال الدار عن الموكل بطلت الوكالة لأنه زال تصرف الموكل فزالت وكالته‏.‏

فصل

وإن تلفت العين التي وكل في التصرف فيها‏,‏ بطلت الوكالة لأن محلها ذهب فذهبت الوكالة‏,‏ كما لو وكله في بيع عبد فمات ولو دفع إليه دينارا ووكله في الشراء به فهلك الدينار‏,‏ أو ضاع أو استقرضه الوكيل وتصرف فيه بطلت الوكالة‏,‏ سواء وكله في الشراء بعينه أو مطلقا لأنه إن وكله في الشراء بعينه فقد استحال الشراء بعينه بعد تلفه فبطلت الوكالة‏,‏ وإن وكله في الشراء مطلقا ونقد الدينار بطلت‏,‏ أيضا لأنه إنما وكله في الشراء به ومعناه أن ينقده ثمن ذلك البيع إما قبل الشراء أو بعده‏,‏ وقد تعذر ذلك بتلفه ولأنه لو صح شراؤه للزم الموكل ثمن لم يلزمه‏,‏ ولا رضي بلزومه وإذا استقرضه الوكيل ثم عزل دينارا عوضه واشترى به‏,‏ فهو كالشراء له من غير إذن لأن الوكالة بطلت والدينار الذي عزله عوضا لا يصير للموكل حتى يقبضه فإذا اشترى للموكل به شيئا وقف على إجازة الموكل‏,‏ فإن أجازه صح ولزم الثمن وإلا لزم الوكيل وعنه يلزم الوكيل بكل حال وقال القاضي‏:‏ متى اشترى بعين ماله لغيره شيئا فالشراء باطل لأنه لا يصح أن يشتري بعين ماله ما يملكه غيره وقال أصحاب الشافعي‏:‏ متى اشترى لغيره بمال نفسه شيئا‏,‏ صح الشراء للوكيل سواء اشتراه بعين المال أو في الذمة لأنه اشترى له ما لم يؤذن له في شرائه أشبه ما لو اشتراه في الذمة‏.‏

فصل

نقل الأثرم عن أحمد‏,‏ في رجل كان له على آخر دراهم فقال له‏:‏ إذا أمكنك قضاؤها فادفعها إلى فلان وغاب صاحب الحق ولم يوص إلى هذا الذي أذن له في القبض‏,‏ لكن جعله وكيلا وتمكن من عليه الدين من القضاء فخاف إن دفعها إلى الوكيل أن يكون الموكل قد مات‏,‏ ويخاف التبعة من الورثة فقال‏:‏ لا يعجبني أن يدفع إليه لعله قد مات لكن يجمع بين الوكيل والورثة ويبرأ إليهما من ذلك هذا ذكره أحمد على طريق النظر للغريم‏,‏ خوفا من التبعة من الورثة إن كان مورثهم قد مات فانعزل وكيله وصار الحق لهم فيرجعون على الدافع إلى الوكيل فأما من طريق الحكم‏,‏ فللوكيل المطالبة وللآخر الدفع إليه فإن أحمد قد نص في رواية حرب‏:‏ إذا وكله في الحد وغاب‏,‏ استوفاه الوكيل وهو أبلغ من هذا لكونه يدرأ بالشبهات لكن هذا احتياط حسن وتبرئة للغريم ظاهرا وباطنا‏,‏ وإزالة للتبعة عنه وفي هذه الرواية دليل على أن الوكيل انعزل بموت الموكل وإن لم يعلم بموته لأنه اختار أن لا يدفع إلى الوكيل خوفا من أن يكون الموكل قد مات فانتقل إلى الورثة ويجوز أن يكون اختار هذا لئلا يكون القاضي ممن يرى أن الوكيل ينعزل بالموت‏,‏ فيحكم عليه بالعزل به وفيها دليل على جواز تراخى القبول عن الإيجاب لأنه وكله في قبض الحق ولم يعلمه ولم يكن حاضرا فيقبل وفيها دليل على صحة التوكيل بغير لفظ التوكيل وقد نقل جعفر بن محمد في رجل قال لرجل‏:‏ بع ثوبى ليس شيء حتى يقول‏:‏ قد وكلتك وهذا سهو من الناقل وقد تقدم ذكر الدليل على جواز التوكيل بغير لفظ التوكيل‏,‏ وهو الذي نقله الجماعة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا وكله في طلاق زوجته فهو في يده حتى يفسخ أو يطأ‏]‏

وجملة ذلك أن الوكالة إذا وقعت مطلقة غير مؤقتة ملك التصرف أبدا‏,‏ ما لم تنفسخ الوكالة وفسخ الوكالة أن يقول‏:‏ فسخت الوكالة أو أبطلتها‏,‏ أو نقضتها أو عزلتك أو صرفتك عنها‏,‏ وأزلتك عنها أو ينهاه عن فعل ما أمره به أو وكله فيه وما أشبه هذا من الألفاظ المقتضية عزله أو المؤدية معناه أو يعزل الوكيل نفسه‏,‏ أو يوجد ما يقتضي فسخها حكما على ما قد ذكرنا أو يزول ملكه عما قد وكله في التصرف فيه‏,‏ أو يوجد ما يدل على الرجوع عن الوكالة فإذا وكله في طلاق امرأته ثم وطئها انفسخت الوكالة لأن ذلك يدل على رغبته فيها‏,‏ واختياره إمساكها وكذلك إن وطئها بعد طلاقها طلاقا رجعيا كان ارتجاعا لها فإذا اقتضى رجعتها بعد طلاقها‏,‏ فلأن يقتضي استبقاءها على نكاحها ومنع طلاقها أولى وإن باشرها دون الفرج أو قبلها أو فعل بها ما يحرم على غير الزوج‏,‏ فهل تنفسخ الوكالة في الطلاق‏؟‏ يحتمل وجهين بناء على الخلاف في حصول الرجعة به وإن وكله في بيع عبد ثم أعتقه‏,‏ أو باعه بيعا صحيحا أو كاتبه أو دبره‏,‏ انفسخت الوكالة لأنه بزوال ملكه لا يبقى له إذن في التصرف فيما لا يملكه وفي الكتابة والتدبير على إحدى الروايتين لم يبق محلا للبيع وعلى الرواية الأخرى‏,‏ تصرفه فيه بذلك يدل على أنه قصد الرجوع عن بيعه وإن باعه بيعا فاسدا لم تبطل الوكالة لأن ملكه في العبد لم يزل ذكره ابن المنذر‏.‏

مسألة

قال: [ومن وكل في شراء شيء فاشترى غيره، كان الآمر مخيرا في قبول الشراء، فإن لم يقبل، لزم الوكيل، إلا أن يكون اشتراه بعين المال، فيبطل الشراء]

وجملته أن الوكيل في الشراء إذا خالف موكله، فاشترى غير ما وكل في شرائه، مثل أن يوكله في شراء عبد فيشتري جارية، لم يخل من أن يكون اشتراه في ذمته أو بعين المال، فإن كان اشتراه في ذمته، ثم نقد ثمنه، فالشراء صحيح ؛ لأنه إنما اشترى بثمن في ذمته، وليس ذلك ملكا لغيره. وقال أصحاب الشافعي: لا يصح، في أحد الوجهين ؛ لأنه عقده على أنه للموكل، ولم يأذن فيه، فلم يصح، كما لو اشترى بعين ماله. ولنا، أنه لم يتصرف في ملك غيره، فصح كما لو لم ينوه لغيره. إذا ثبت هذا، فعن أحمد روايتان ؛ إحداهما، الشراء لازم للمشتري. وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي ؛ لأنه اشترى في ذمته بغير إذن غيره، فكان الشراء له، كما لو لم ينو غيره. والرواية الثانية، يقف على إجازة الموكل، فإن أجازه لزمه ؛ لأنه اشترى له وقد أجازه، فلزمه، كما لو اشترى بإذنه، وإن لم يجزه لزم الوكيل ؛ لأنه لا يجوز أن يلزم الموكل، لأنه لم يأذن في شرائه، ولزم الوكيل ؛ لأن الشراء صدر منه، ولم يثبت لغيره، فيثبت في حقه، كما لو اشتراه لنفسه وهكذا الحكم في كل من اشترى شيئا في ذمته لغيره بغير إذنه، سواء كان وكيلا للذي قصد الشراء له، أو لم يكن وكيلا له. فأما إن اشترى بعين المال، مثل أن يقول: بعني الجارية بهذه الدنانير. أو باع مال غيره بغير إذنه، فالصحيح في المذهب أن البيع باطل. وهو مذهب الشافعي. وفيه رواية أخرى أنه صحيح، ويقف على إجازة المالك، فإن لم يجزه بطل، وإن أجازه صح ؛ لحديث عروة بن الجعد (أنه باع ما لم يؤذن له في بيعه، فأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له) ولأنه تصرف له بخير، فصح، ووقف على الإجازة، كالوصية بالزائد على الثلث. ووجه الرواية الأولى، أنه عقد على مال من لم يأذن له في العقد، فلم يصح، كما لو باع مال الصبي المراهق، ثم بلغ، فأجازه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام: (لا تبع ما ليس عندك ). يعني ما لم تملك. وأما حديث عروة فإنه يحتمل أنه كان وكيلا مطلقا، بدليل أنه باع وسلم المبيع وأخذ ثمنه، وليس ذلك جائزا لمن لم يؤذن له فيه اتفاقا. ومتى حكمنا ببطلان البيع، فاعترف له العاقد معه ببطلان البيع، أو ثبت ذلك ببينة، فعليه رد ما أخذه، وإن لم يعترف بذلك، ولا قامت به بينة، حلف العاقد، ولم يلزمه رد شيء ؛ لأن الأصل أن تصرف الإنسان لنفسه، فلا يصدق على غيره فيما يبطل عقده. وإن ادعى البائع أنه باع مال غيره بغير إذنه، فالقول قول المشتري ؛ لما ذكرناه. ولو قال المشتري: إنك بعت مال غيرك بغير إذنه، فأنكر البائع ذلك. وقال: بل بعت ملكي. أو قال: بعت مال موكلي بإذنه. فالقول قوله أيضا. وإن اتفق البائع والمشتري على ما يبطل البيع، وقال الموكل: بل البيع صحيح فالقول قوله مع يمينه، ولا يلزمه رد ما أخذه من العوض.

فصل

وإن وكله في أن يتزوج له امرأة فتزوج له غيرها أو تزوج له بغير إذنه‏,‏ فالعقد فاسد بكل حال في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي لأن من شرط صحة النكاح ذكر الزوج فإذا كان بغير إذنه‏,‏ لم يقع له ولا للوكيل لأن المقصود أعيان الزوجين بخلاف البيع فإنه يجوز أن يشتري له من غير تسمية المشترى له‏,‏ فافترقا والرواية الثانية يصح النكاح ويقف على إجازة المتزوج له‏,‏ فإن أجازه صح وإلا بطل وهذا مذهب أبى حنيفة والقول فيه كالقول في البيع على ما تقدم‏.‏

فصل

قال القاضي‏:‏ إذا قال لرجل‏:‏ اشتر لي بدينى عليك طعاما لم يصح ولو قال‏:‏ تسلف لي ألفا من مالك في كر طعام ففعل‏,‏ لم يصح لأنه لا يجوز أن يشتري الإنسان بماله ما يملكه غيره وإن قال‏:‏ اشتر لي في ذمتك أو قال‏:‏ تسلف لي ألفا في كر طعام واقض الثمن عنى من مالك أو من الدين الذي لي عليك صح لأنه إذا اشترى في الذمة حصل الشراء للموكل والثمن عليه‏,‏ فإذا قضاه من الدين الذي عليه فقد دفع الدين إلى من أمره صاحب الدين بدفعه إليه وإن قضاه من ماله عن دين السلف الذي عليه‏,‏ صار قرضا عليه‏.‏

فصل

ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن موكله من جهة النطق أو من جهة العرف لأن تصرفه بالإذن‏,‏ فاختص بما أذن فيه والإذن يعرف بالنطق تارة وبالعرف أخرى ولو وكل رجلا في التصرف في زمن مقيد لم يملك التصرف قبله ولا بعده لأنه لم يتناوله إذنه مطلقا ولا عرفا لأنه قد يؤثر التصرف في زمن الحاجة إليه دون غيره‏,‏ ولهذا لما عين الله تعالى لعبادته وقتا لم يجز تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه فلو قال له‏:‏ بع ثوبى غدا لم يجز بيعه اليوم ولا بعد غد وإن عين له المكان وكان يتعلق به غرض‏,‏ مثل أن يأمره ببيع ثوبه في سوق وكان ذلك السوق معروفا بجودة النقد‏,‏ أو كثرة الثمن أو حله أو بصلاح أهله‏,‏ أو بمودة بين الموكل وبينهم تقيد الإذن به لأنه قد نص على أمر له فيه غرض فلم يجز تفويته وإن كان هو وغيره سواء في الغرض‏,‏ لم يتقيد الإذن به وجاز له البيع في غيره لمساواته المنصوص عليه في الغرض فكان تنصيصه على أحدهما إذنا في الآخر‏,‏ كما لو استأجر أو استعار أرضا لزراعة شيء كان إذنا في زراعة مثله فما دونه ولو اشترى عقارا كان له أن يسكنه مثله‏,‏ ولو نذر صلاة أو اعتكافا في مسجد جاز الاعتكاف والصلاة في غيره وسواء قدر له الثمن أو لم يقدره وإن عين له المشترى فقال‏:‏ بعه فلانا لم يملك بيعه لغيره‏,‏ بغير خلاف علمناه سواء قدر له الثمن أو لم يقدره لأنه قد يكون له غرض في تمليكه إياه دون غيره إلا أن يعلم الوكيل بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشترى‏.‏

فصل

وإن وكله في عقد فاسد ، لم يملكه ؛ لأن الله تعالى لم يأذن فيه ، ولأن الموكل لا يملكه ، فالوكيل أولى . ولا يملك الصحيح ؛ لأن الموكل لم يأذن فيه . وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : يملك الصحيح ؛ لأنه إذا أذن في الفاسد ، فالصحيح أولى . ولنا ، أنه أذن له في محرم ، فلم يملك الحلال بهذا الإذن ، كما لو أذن في شراء خمر وخنزير ، لم يملك شراء الخيل والغنم .

فصل

وإن وكله في بيع عبد أو حيوان أو عقار ونحوه‏,‏ أو شرائه لم يملك العقد على بعضه لأن التوكيل تناول جميعه وفي التبعيض إضرار بالموكل وتشقيص لملكه‏,‏ ولم يأذن فيه وإن وكله في بيع عبيد أو شرائهم ملك العقد عليهم جملة واحدة واحدا واحدا لأن الإذن يتناول العقد عليهم جملة‏,‏ والعرف في بيعهم وشرائهم العقد على واحد واحد ولا ضرر في جمعهم ولا إفرادهم وإن قال‏:‏ اشتر لي عبيدا صفقة واحدة أو واحدا واحدا‏,‏ أو بعهم لم تجز مخالفته لأن تنصيصه على ذلك يدل على غرضه فيه فلم يتناول إذنه سواه وإن قال‏:‏ اشتر لي عبدين صفقة فاشترى عبدين لاثنين مشتركين بينهما من وكيلهما‏,‏ أو من أحدهما بإذن الآخر جاز وإن كان لكل واحد منهما عبد مفرد فاشتراهما من المالكين‏,‏ بأن أوجبا له البيع فيهما وقبل ذلك منهما بلفظ واحد فقال القاضي‏:‏ لا يلزم الموكل وهو مذهب الشافعي لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان ويحتمل أن يلزمه لأن القبول هو الشراء‏,‏ وهو متحد والغرض لا يختلف وإن اشتراهما من وكيلهما وعين ثمن كل واحد منهما‏,‏ مثل أن يقول‏:‏ بعتك هذين العبدين هذا بمائة وهذا بمائتين فقال‏:‏ قبلت احتمل أيضا وجهين وإن لم يعين ثمن كل واحد منهما لم يصح البيع في أحد الوجهين لأن ثمن كل واحد منهما مجهول ويحتمل أن يصح ويقسط الثمن على قدر قيمتهما‏.‏

فصل

فإن دفع إليه دراهم‏,‏ وقال اشتر لي بهذه عبدا كان له أن يشتريه بعينها وفي الذمة لأن الشراء يقع على هذين الوجهين فإذا أطلق الوكالة‏,‏ كان له فعل ما شاء منهما وإن قال‏:‏ اشتر بعينها فاشتراه في ذمته ثم نقدها لم يلزم الموكل لأنه إذا تعين الثمن‏,‏ انفسخ العقد بتلفه أو كونه مغصوبا ولم يلزمه ثمن في ذمته‏,‏ وهذا غرض للموكل فلم تجز مخالفته ويقع الشراء للوكيل وهل يقف على إجازة الموكل‏؟‏ على روايتين وإن قال‏:‏ اشتر لي في ذمتك‏,‏ وانقد هذه الدراهم ثمنا فاشتراه بعينها فقال أصحابنا‏:‏ يلزم الموكل لأنه أذن له في عقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدراهم وتلفها فكان إذنا في عبد لا يلزمه الثمن إلا مع بقائها ويحتمل أن لا يصح لأنه قد يكون له غرض في الشراء بغير عينها‏,‏ لكونها فيها شبهة لا يحب أن يشتري بها أو يحب وقوع العقد على وجه لا ينفسخ بتلفها ولا يبطل بتحريمها‏,‏ وهذا غرض صحيح فلا يجوز تفويته عليه كما لم يجز تفويت غرضه في الصورة الأولى ومذهب الشافعي في هذا كله كنحو ما ذكرناه‏.‏

فصل

وإن عين له الشراء بنقد أو حالا‏,‏ لم تجز مخالفته وإن أذن له في النسيئة والبيع بأى نقد شاء جاز وإن أطلق لم يبع إلا حالا بنقد البلد لأن الأصل في البيع الحلول‏,‏ وإطلاق النقد ينصرف إلى نقد البلد ولهذا لو باع عبده بعشرة دراهم وأطلق حمل على الحلول بنقد البلد وإن كان في البلد نقدان‏,‏ باع بأغلبهما فإن تساويا باع بما شاء منهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وصاحباه‏:‏ له البيع نساء لأنه معتاد فأشبه الحال ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الرواية في المضارب‏,‏ وقد ذكرناها والأول أولى لأنه لو أطلق البيع حمل على الحلول فكذلك إذا أطلق الوكالة فيه ولا نسلم تساوى العادة فيهما‏,‏ فإن بيع الحال أكثر ويفارق المضاربة لوجهين أحدهما أن المقصود من المضاربة الربح‏,‏ لا دفع الحاجة بالثمن في الحال وقد يكون المقصود في الوكالة دفع حاجة ناجزة تفوت بتأخير الثمن والثاني أن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب‏,‏ فيعود ضرر التأخير في التقاضى عليه وها هنا بخلافه فلا يرضى به الموكل‏,‏ ولأن الضرر في توى الثمن على المضارب لأنه يحسب من الربح لكون الربح وقاية لرأس المال‏,‏ وها هنا يعود على الموكل فانقطع الإلحاق‏.‏

فصل

إذا وكله في بيع سلعة نسيئة فباعها نقدا بدون ثمنها نسيئة‏,‏ أو بدون ما عينه له لم ينفذ بيعه لأنه مخالف لموكله لأنه رضي بثمن النسيئة دون النقد وإن باعها نقدا بما تساوى نسيئة‏,‏ أو عين له ثمنها فباعها به نقدا فقال القاضي‏:‏ يصح لأنه زاده خيرا فكان مأذونا فيه عرفا فأشبه ما لو وكله في بيعها بعشرة فباعها بأكثر منها ويحتمل أن ينظر فيه‏,‏ فإن لم يكن له غرض في النسيئة صح وإن كان فيها غرض نحو أن يكون الثمن مما يستضر بحفظه في الحال‏,‏ أو يخاف عليه من التلف أو المتغلبين أو يتغير عن حاله إلى وقت الحلول فهو كمن لم يؤذن له لأن حكم الحلول لا يتناول المسكوت عنه إلا إذا علم أنه في المصلحة‏,‏ كالمنطوق أو أكثر فيكون الحكم فيه ثابتا بطريق التنبيه أو المماثلة ومتى كان في المنطوق به غرض مختص به لم يجز تفويته‏,‏ ولا ثبوت الحكم في غيره وقد ذكر القاضي نحو هذا في موضع آخر‏.‏

فصل

وإن وكله في الشراء بثمن نقدا فاشتراه نسيئة بأكثر من ثمن النقد لم يقع للموكل وإن اشتراه نسيئة بثمنه نقدا‏,‏ أو بما عينه له فهي كالتي قبلها ويصح للموكل في قول القاضي وعلى ما ذكرنا ينظر في ذلك فإن كان فيه ضرر نحو أن يستضر ببقاء الثمن معه ونحو ذلك‏,‏ لم يجز كقولنا في التي قبلها ولأصحاب الشافعي في صحة الشراء وجهان‏.‏

فصل

وليس له أن يبيع بدون ثمن المثل أو دون ما قدره له‏,‏ ولا يشتري بأكثر من ثمن المثل أو أكثر مما قدر له وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا أطلق الوكالة في البيع‏,‏ فله البيع بأى ثمن كان لأن لفظه في الإذن مطلق فيجب حمله على إطلاقه ولنا أنه توكيل مطلق في عقد معاوضة‏,‏ فاقتضى ثمن المثل كالشراء فإنه وافق عليه‏,‏ وما ذكره ينتقض بالشراء فإن باع بأقل من ثمن المثل أو اشترى بأكثر منه مما لا يتغابن الناس بمثله أو باع بدون ما قدره له‏,‏ أو اشترى بأكثر منه فحكمه حكم من لم يؤذن له في البيع والشراء وهذا قول الشافعي وعن أحمد أن البيع جائز دون الشراء ويضمن الوكيل النقص لأن من صح بيعه بثمن المثل‏,‏ صح بدونه كالمريض فعلى هذه الرواية يكون البيع صحيحا وعلى الوكيل ضمان النقص وفي قدره وجهان أحدهما‏,‏ ما بين ثمن المثل وما باعه به والثاني ما بين ما يتغابن الناس به وما لا يتغابن الناس به‏,‏ لأن ما يتغابن الناس به يصح بيعه به ولا ضمان عليه والأول أقيس لأنه لم يؤذن للوكيل في هذا البيع فأشبه بيع الأجنبى ولو أذن له في البيع لم يكن عليه ضمان فأشبه الشراء وكل تصرف كان الوكيل مخالفا فيه لموكله‏,‏ فحكمه فيه حكم تصرف الأجنبى على ما يذكر في موضعه إن شاء الله وأما ما يتغابن الناس به عادة فمعفو عنه إذا لم يكن الموكل قدر له الثمن لأن ما يتغابن الناس به يعد ثمن المثل‏,‏ ولا يمكن التحرز عنه ولو حضر من يزيد على ثمن المثل لم يجز أن يبيع بثمن المثل لأن عليه الاحتياط وطلب الحظ لموكله وإن باع بثمن المثل فحضر من يزيد في مدة الخيار‏,‏ لم يلزمه فسخ العقد في الصحيح لأن الزيادة ممنوع منها منهى عنها‏,‏ فلا يلزم الرجوع إليها ولأن المزايد قد لا يثبت على الزيادة فلا يلزم الفسخ بالشك ويحتمل أن يلزمه ذلك لأنها زيادة في الثمن أمكن تحصيلها‏,‏ فأشبه ما لو أجاز به قبل البيع والنهى يتوجه إلى الذي زاد لا إلى الوكيل فأشبه من جاءته الزيادة قبل البيع وبعد الاتفاق عليه‏.‏

فصل

ومن وكل في بيع عبد بمائة‏,‏ فباعه بأكثر منها صح سواء كانت الزيادة كثيرة أو قليلة لأنه باع بالمأذون فيه وزاد زيادة تنفعه ولا تضره‏,‏ وسواء كانت الزيادة من جنس الثمن المأمور به أو من غير جنسه مثل أن يأذن في بيعه بمائة درهم‏,‏ فيبيعه بمائة درهم ودينار أو ثوب وقال أصحاب الشافعي‏:‏ لا يصح بيعه بمائة وثوب في أحد الوجهين لأنه من غير جنس الأثمان ولنا أنها زيادة تنفعه ولا تضره‏,‏ أشبه ما لو باعه بمائة ودينار ولأن الإذن في بيعه بمائة إذن في بيعه بزيادة عليها عرفا‏,‏ لأن من رضي بمائة لا يكره أن يزاد عليها ثوب ينفعه ولا يضره وإن باعه بمائة دينار أو بتسعين درهما وعشرة دنانير وأشباه ذلك‏,‏ أو بمائة ثوب أو بثمانين درهما وعشرين ثوبا لم يصح ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه خالف موكله في الجنس‏,‏ فأشبه ما لو باعه بثوب يساوى أكثر من مائة درهم ويحتمل أن يصح فيما إذا جعل مكان الدراهم دنانير أو مكان بعضها لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بدرهم رضي مكانه بدينار‏,‏ فجرى مجرى بيعه بمائة درهم ودينار وأما الثياب فلا يصح بيعه بها لأنها من غير جنس الأثمان‏.‏

فصل

وإن وكله في بيع عبد بمائة فباع نصفه بها أو وكله مطلقا‏,‏ فباع نصفه بثمن الكل جاز لأنه مأذون فيه من جهة العرف فإن من رضي مائة ثمنا للكل‏,‏ رضي بها ثمنا للنصف ولأنه حصل له المائة وأبقى له زيادة تنفعه ولا تضره وله بيع النصف الآخر لأنه مأذون في بيعه فأشبه ما لو باع العبد كله بمثلى ثمنه ويحتمل ألا يجوز له بيعه لأنه قد حصل للموكل غرضه من الثمن ببيع نصفه‏,‏ فربما لا يؤثر بيع باقيه للغنى عن بيعه بما حصل له من ثمن نصفه وهكذا القول في توكيله في بيع عبدين بمائة إذا باع أحدهما بها‏,‏ صح وهل يكون له بيع العبد الآخر‏؟‏ على وجهين فأما إن وكله في بيع عبده بمائة فباع بعضه بأقل منها لم يصح وإن وكله مطلقا‏,‏ فباع بعضه بأقل من ثمن الكل لم يجز وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف‏,‏ ومحمد وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز فيما إذا أطلق الوكالة بناء على أصله في أن للوكيل المطلق البيع بما شاء ولنا أن على الموكل ضررا في تبعيضه‏,‏ ولم يوجد الإذن فيه نطقا ولا عرفا فلم يجز كما لو وكله في شراء عبد‏,‏ فاشترى نصفه‏.‏

فصل

وإن وكله في شراء عبد بعينه بمائة فاشتراه بخمسين أو بما دون المائة‏,‏ صح ولزم الموكل لأنه مأذون فيه من جهة العرف وإن قال‏:‏ لا تشتره بأقل من مائة فخالفه‏,‏ لم يجز لأنه خالف نصه وصريح قوله مقدم على دلالة العرف فإن قال‏:‏ اشتره بمائة ولا تشتره بخمسين جاز له شراؤه بما فوق الخمسين لأن إذنه في الشراء بمائة دل عرفا على الشراء بما دونها‏,‏ خرج منه الخمسون بصريح النهى بقي فيما فوقها على مقتضى الإذن وإن اشتراه بأقل من الخمسين ففيه وجهان أحدهما‏,‏ يجوز لذلك ولأنه لم يخالف صريح نهيه أشبه ما زاد على الخمسين والثاني‏,‏ لا يجوز لأنه نهاه عن الخمسين استقلالا لها فكان تنبيها على النهى عما هو أقل منهما كما أن الإذن في الشراء بمائة إذن فيما دونها فجرى ذلك مجرى صريح نهيه‏,‏ فإن تنبيه الكلام كنصه وإن قال‏:‏ اشتره بمائة دينار فاشتراه بمائة درهم فالحكم فيه كما لو قال‏:‏ بعه بمائة درهم فباعه بمائة دينار على ما مضى من القول فيه وإن قال‏:‏ اشتر لي نصفه بمائة فاشتراه كله أو أكثر من نصفه بمائة‏,‏ جاز لأنه مأذون فيه عرفا وإن قال‏:‏ اشتر لي نصفه بمائة ولا تشتره جميعه فاشترى أكثر من النصف وأقل من الكل بمائة‏,‏ صح في قياس المسألة التي قبلها لكون دلالة العرف قاضية بالإذن في شراء كل ما زاد على النصف‏,‏ خرج الجميع بصريح نهيه ففيما عداه يبقى على مقتضى الإذن‏.‏

فصل

وإن وكله في شراء عبد موصوف بمائة فاشتراه على الصفة بدونها‏,‏ جاز لأنه مأذون فيه عرفا وإن خالفه في الصفة أو اشتراه بأكثر منها لم يلزم الموكل وإن قال‏:‏ اشتر لي عبدا بمائة فاشترى عبدا يساوى مائة بدونها‏,‏ جاز لأنه لو اشتراه بمائة جاز فإذا اشتراه بدونها فقد زاده خيرا فيجوز وإن كان لا يساوى مائة‏,‏ لم يجز وإن كان يساوى أكثر مما اشتراه به لأنه خالف أمره ولم يحصل غرضه‏.‏

فصل

وإن وكله في شراء شاة بدينار‏,‏ فاشترى شاتين تساوى كل واحدة منهما أقل من دينار لم يقع للموكل وإن كانت كل واحدة منهما تساوى دينارا أو إحداهما تساوى دينارا والأخرى أقل من دينار صح ولزم الموكل وهذا المشهور من مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يقع للموكل إحدى الشاتين بنصف دينار‏,‏ والأخرى للوكيل لأنه لم يرض إلا بإلزامه عهدة شاة واحدة‏.‏

ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى عروة بن الجعد دينارا فقال‏:‏ ‏(‏اشتر لنا به شاة‏)‏ قال‏:‏ فأتيت الجلب فاشتريت شاتين بدينار‏,‏ فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقينى رجل بالطريق‏,‏ فساومنى فبعت منه شاة بدينار فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بالدينار والشاة‏,‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم قال‏:‏ ‏(‏وصنعت كيف‏؟‏‏)‏ فحدثته الحديث قال‏:‏ ‏(‏اللهم بارك له في صفقة يمينه‏)‏ ولأنه حصل له المأذون فيه وزيادة من جنسه تنفع ولا تضر‏,‏ فوقع ذلك له كما لو قال‏:‏ له بعه بدينار فباعه بدينارين وما ذكره يبطل بالبيع فإن باع الوكيل إحدى الشاتين بغير أمر الموكل‏,‏ ففيه وجهان أحدهما البيع باطل لأنه باع مال موكله بغير أمره فلم يجز كبيع الشاتين والثاني‏,‏ إن كانت الباقية تساوى دينارا جاز لحديث عروة بن الجعد البارقى ولأنه حصل له المقصود‏,‏ والزيادة لو كانت غير الشاة جاز فجاز له إبدالها بغيرها وظاهر كلام أحمد صحة البيع لأنه أخذ بحديث عروة وذهب إليه وإذا قلنا‏:‏ لا يجوز له بيع الشاة فباعها فهل يقع البيع باطلا أو صحيحا موقوفا على إجازة الموكل‏؟‏ على روايتين وهذا أصل لكل من تصرف في ملك غيره بغير إذنه‏,‏ ووكيل يخالف موكله هل يقع باطلا أو يصح ويقف على إجازة المالك‏؟‏ فيه روايتان وللشافعي في صحة البيع ها هنا وجهان‏.‏

فصل

وإذا وكله في شراء سلعة موصوفة لم يجز أن يشتريها إلا سليمة لأن إطلاق البيع يقتضي السلامة‏,‏ ولذلك جاز الرد بالعيب فإن اشترى معيبا يعلم عيبه لم يلزم الموكل لأنه اشترى غير ما أذن له فيه وإن لم يعلم عيبه‏,‏ صح البيع لأنه إنما يلزمه شراء الصحيح في الظاهر لعجزه عن التحرز عن شراء معيب لا يعلم عيبه‏,‏ فإذا علم عيبه ملك رده لأنه قائم في الشراء مقام الموكل وللموكل رده أيضا لأن الملك له فإن حضر قبل رد الوكيل‏,‏ ورضى بالعيب لم يكن للوكيل رده لأن الحق له بخلاف المضارب‏,‏ فإن له الرد وإن رضي رب المال لأن له حقا فلا يسقط برضى غيره وإن لم يحضر فأراد الوكيل الرد‏,‏ فقال له البائع‏:‏ توقف حتى يحضر الموكل فربما رضي بالعيب لم يلزمه ذلك لأنه لا يأمن فوات الرد لهرب البائع وفوات الثمن بتلفه‏,‏ وإن أخره بناء على هذا القول فلم يرض به الموكل لم يسقط رده وإن قلنا‏:‏ الرد على الفور لأنه أخره بإذن البائع فيه وإن قال البائع‏:‏ موكلك قد علم العيب فرضيه لم يقبل قوله إلا ببينة‏,‏ فإن لم يكن له بينة لم يستحلف الوكيل إلا أن يدعى علمه فيحلف على نفى العلم وبهذا قال الشافعي وعن أبى حنيفة رضي الله عنه أنه لا يستحلف لأنه لو حلف كان نائبا في اليمين‏,‏ وليس بصحيح فإنه لا نيابة ها هنا وإنما يحلف على نفى علمه‏,‏ وهذا لا ينوب فيه عن أحد فإن رد الوكيل وحضر الموكل وقال‏:‏ بلغنى العيب‏,‏ ورضيت به وصدقه البائع أو قامت به بينة لم يقع الرد موقعه‏,‏ وكان للموكل استرجاعه وللبائع رده عليه لأن رضاه به عزل الوكيل عن الرد بدليل أنه لو علمه لم يكن له الرد‏,‏ إلا أن نقول‏:‏ إن الوكيل لا ينعزل حتى يعلم العزل وإن رضي الوكيل المعيب أو أمسكه إمساكا ينقطع به الرد فحضر الموكل‏,‏ فأراد الرد فله ذلك إن صدقه البائع أن الشراء له أو قامت به بينة وإن كذبه ولم تكن به بينة‏,‏ فحلفه البائع أنه لا يعلم أن الشراء له فليس له رده لأن الظاهر أن من اشترى شيئا فهو له ويلزم الوكيل‏,‏ وعليه غرامة الثمن وهذا كله مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ للوكيل شراء المعيب لأن التوكيل في البيع مطلقا يدخل المعيب في إطلاقه ولأنه أمينه في الشراء فجاز له شراء المعيب‏,‏ كالمضارب ولنا أن البيع بإطلاقه يقتضي الصحيح دون المعيب فكذلك الوكالة فيه‏,‏ ويفارق المضاربة من حيث إن المقصود فيها الربح والربح يحصل من المعيب كحصوله من الصحيح والمقصود من الوكالة شراء ما يقتنى أو يدفع به حاجته‏,‏ وقد يكون العيب مانعا من قضاء الحاجة به ومن قنيته فلا يحصل المقصود وقد ناقض أبو حنيفة أصله فإنه قال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتحرير رقبة‏}‏‏:‏ لا تجوز العمياء ولا معيبة عيبا يضر بالعمل وقال ها هنا‏:‏ يجوز للوكيل شراء الأعمى والمقعد ومقطوع اليدين والرجلين‏.‏

فصل

وإن أمره بشراء سلعة بعينها فاشتراها‏,‏ فوجدها معيبة احتمل أن له الرد لأن الأمر يقتضي السلامة فأشبه ما لو وكله في شراء موصوفة ويحتمل أن لا يملك الرد لأن الموكل قطع نظره بالتعيين‏,‏ فربما رضيه على جميع صفاته وإن علم عيبه قبل شرائه فهل له شراؤه‏؟‏ يحتمل وجهين أيضا مبنيين على رده إذا علم عيبه بعد شرائه وإن قلنا‏:‏ يملك رده فليس له شراؤه لأن العيب إذا جاز به الرد بعد العقد فلأن يمنع من الشراء أولى وإن قلنا‏:‏ لا يملك الرد ثم فله الشراء ها هنا لأن تعيين الموكل قطع نظره واجتهاده في جواز الرد‏,‏ فكذلك في الشراء‏.‏

فصل

وإذا اشترى الوكيل لموكله شيئا بإذنه انتقل الملك من البائع إلى الموكل ولم يدخل في ملك الوكيل‏,‏ وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يدخل في ملك الوكيل ثم ينتقل إلى الموكل لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل بدليل أنه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه‏,‏ ولم ينتقل إلى الموكل ولنا أنه قبل عقدا لغيره صح له فوجب أن ينتقل الملك إليه‏,‏ كالأب والوصى وكما لو تزوج له وقولهم‏:‏ إن حقوق العقد تتعلق به غير مسلم ويتفرع عن هذا أن المسلم لو وكل ذميا في شراء خمر أو خنزير فاشتراه له‏,‏ لم يصح الشراء وقال أبو حنيفة‏:‏ يصح ويقع للذمى لأن الخمر مال لهم لأنهم يتمولونها ويتبايعونها‏,‏ فصح توكيلهم فيها كسائر أموالهم ولنا أن كل ما لا يجوز للمسلم العقد عليه لا يجوز أن يوكل فيه‏,‏ كتزويج المجوسية وبهذا خالف سائر أموالهم وإذا باع الوكيل بثمن معين ثبت الملك للموكل في الثمن لأنه بمنزلة المبيع وإن كان الثمن في الذمة فللوكيل والموكل المطالبة به وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ ليس للموكل المطالبة لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل دونه‏,‏ ولهذا يتعلق مجلس الصرف والخيار به دون موكله فكذلك القبض ولنا أن هذا دين للموكل يصح قبضه له‏,‏ فملك المطالبة به كسائر ديونه التي وكل فيها ويفارق مجلس العقد لأن ذلك من شروط العقد‏,‏ فتعلق بالعاقد كالإيجاب والقبول وأما الثمن فهو حق للموكل ومال من أمواله‏,‏ فكانت له المطالبة به ولا نسلم أن حقوق العقد تتعلق به وإنما تتعلق بالموكل وهي تسليم الثمن‏,‏ وقبض المبيع والرد بالعيب وضمان الدرك فأما ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمة فإنه يثبت في ذمة الموكل أصلا‏,‏ وفي ذمة الوكيل تبعا كالضامن وللبائع مطالبة من شاء منهما‏,‏ فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكل وإن أبرأ الموكل برئ الوكيل أيضا كالضامن والمضمون عنه سواء وإن دفع الثمن إلى البائع‏,‏ فوجد به عيبا فرده على الوكيل كان أمانة في يده إن تلف فهو من ضمان الموكل ولو وكل رجلا يتسلف له ألفا في كر حنطة‏,‏ ففعل ملك الموكل ثمنها والوكيل ضامن عن موكله‏,‏ كما تقدم‏.‏

فصل

قال أحمد في رواية مهنا‏:‏ إذا دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه ففعل فوهب له المشترى منديلا‏,‏ فالمنديل لصاحب الثوب إنما قال ذلك لأن هبة المنديل سببها البيع فكان المنديل زيادة في الثمن والزيادة في مجلس العقد تلحق به‏.‏

فصل

في الشهادة على الوكالة‏,‏ إذا ادعى الوكالة وأقام شاهدا وامرأتين أو حلف مع شاهده‏,‏ فقال أصحابنا فيها روايتان إحداهما تثبت بذلك إذا كانت الوكالة بمال فإن أحمد قال في الرجل يوكل ويشهد على نفسه رجلا وامرأتين‏,‏ إذا كانت المطالبة بدين فأما غير ذلك فلا والثانية لا تثبت إلا بشاهدين عدلين نقلها الخرقي بقوله‏:‏ ولا تقبل فيما سوى الأموال مما يطلع عليه الرجال لأقل من رجلين وهذا قول الشافعي لأن الوكالة إثبات للتصرف ويحتمل أن يكون قول الخرقي كالرواية الأولى لأن الوكالة في المال يقصد بها المال‏,‏ فتقبل فيها شهادة النساء مع الرجال كالبيع والقرض فإن شهدا بوكالته ثم قال أحدهما‏:‏ قد عزله لم تثبت وكالته بذلك لأن أحدهما لم تثبت وكالته بذلك وإن كان الشاهد بالعزل رجلا غيرهما‏,‏ لم يثبت العزل بشهادته وحده لأن العزل لا يثبت إلا بما يثبت به التوكيل ومتى عاد أحد الشاهدين بالتوكيل فقال‏:‏ قد عزله لم يحكم بشهادتهما لأنه رجوع عن الشهادة قبل الحكم بها فلا يجوز للحاكم الحكم بما رجع عنه الشاهد وإن حكم الحاكم بشهادتهما ثم عاد أحدهما‏,‏ فقال‏:‏ قد عزله بعد ما وكله لم يلتفت إلى قوله لأن الحكم قد نفذ بالشهادة ولم يثبت العزل فإن قالا جميعا‏:‏ قد كان عزله ثبت العزل لأن الشهادة تمت في العزل كتمامها في التوكيل‏.‏

فصل

فإن شهد أحدهما أنه وكله يوم الجمعة‏,‏ وشهد آخر أنه وكله يوم السبت لم تتم الشهادة لأن التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت فلم تكمل شهادتهما على فعل واحد وإن شهد أحدهما أنه أقر بتوكيله يوم الجمعة‏,‏ وشهد الآخر أنه أقر به يوم السبت تمت الشهادة لأن الإقرارين إخبار عن عقد واحد ويشق جمع الشهود ليقر عندهم حالة واحدة‏,‏ فجوز له الإقرار عند كل واحد وحده وكذلك لو شهد أحدهما أنه أقر عنده بالوكالة بالعربية وشهد الآخر أنه أقر بها بالعجمية ثبتت ولو شهد أحدهما أنه وكله بالعربية‏,‏ وشهد الآخر أنه وكله بالعجمية لم تكمل الشهادة لأن التوكيل بالعربية غير التوكيل بالعجمية فلم تكمل الشهادة على فعل واحد وكذلك لو شهد أحدهما أنه قال‏:‏ وكلتك وشهد الآخر‏,‏ أنه قال‏:‏ أذنت لك في التصرف أو أنه قال‏:‏ جعلتك وكيلا أو شهد أنه قال‏:‏ جعلتك جريا لم تتم الشهادة لأن اللفظ مختلف والجرى‏:‏ الوكيل ولو قال أحدهما‏:‏ أشهد أنه وكله وقال الآخر‏:‏ أشهد أنه أذن له في التصرف تمت الشهادة لأنهما لم يحكيا لفظ الموكل وإنما عبرا عنه بلفظهما واختلاف لفظهما لا يؤثر إذا اتفق معناه ولو قال أحدهما‏:‏ أشهد أنه أقر عندي أنه وكله وقال الآخر‏:‏ أشهد أنه أقر أنه جريه أو أنه أوصى إليه بالتصرف في حياته ثبتت الوكالة بذلك وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده‏,‏ وشهد الآخر أنه وكله وزيدا أو شهد أنه وكله في بيعه وقال‏:‏ لا تبعه حتى تستأمرني‏,‏ أو تستأمر فلانا لم تتم الشهادة لأن الأول أثبت استقلاله بالبيع من غير شرط والثاني ينفى ذلك فكانا مختلفين وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده وشهد الآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته‏,‏ حكم بالوكالة في العبد لاتفاقهما عليه وزيادة الثاني لا تقدح في تصرفه في الأول فلا تضره وهكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد‏,‏ وشهد الآخر أنه وكله في بيعه لزيد وإن شاء لعمرو‏.‏

فصل

ولا تثبت الوكالة والعزل بخبر الواحد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة تثبت الوكالة بخبر الواحد وإن لم يكن ثقة ويجوز التصرف للمخبر بذلك إذا غلب على ظنه صدق المخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكل ويثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولا لأن اعتبار شاهدين عدلين في هذا يشق‏,‏ فسقط اعتباره ولأنه أذن في التصرف ومنع منه فلم يعتبر في هذا شروط الشهادة‏,‏ كاستخدام غلامه ولنا أنه عقد مالى فلا يثبت بخبر الواحد‏,‏ كالبيع وفارق الاستخدام فإنه ليس بعقد ولو شهد اثنان أن فلانا الغائب وكل فلانا الحاضر فقال الوكيل‏:‏ ما علمت هذا‏,‏ وأنا أتصرف عنه ثبتت الوكالة لأن معنى ذلك إني لم أعلم إلى الآن وقبول الوكالة يجوز متراخيا وليس من شرط التوكيل حضور الوكيل ولا علمه‏,‏ فلا يضر جهله به وإن قال‏:‏ ما أعلم صدق الشاهدين لم تثبت وكالته لقدحه في شهادتهما وإن قال‏:‏ ما علمت وسكت قيل له‏:‏ فسر فإن فسر بالأول ثبتت وكالته وإن فسره بالثانى لم تثبت‏.‏

فصل

ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب‏,‏ وهو أن يدعى أن فلانا الغائب وكلنى في كذا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح بناء على أن الحكم على الغائب لا يصح ولنا أنه لا يعتبر رضاه في سماع البينة فلا يعتبر حضوره كغيره وإذا قال له من عليه الحق‏:‏ احلف أنك تستحق مطالبتى لم تسمع دعواه لأن ذلك طعن في الشهادة وإن قال‏:‏ قد عزلك الموكل‏,‏ فاحلف أنه ما عزلك لم يستحلف لأن الدعوى على الموكل واليمين لا تدخلها النيابة وإن قال‏:‏ أنت تعلم أن موكلك قد عزلك سمعت دعواه وإن طلب اليمين من الوكيل حلف أنه لا يعلم أن موكله عزله لأن الدعوى عليه وإن أقام الخصم بينة بالعزل‏,‏ سمعت وانعزل الوكيل‏.‏

فصل

وتقبل شهادة الوكيل على موكله لعدم التهمة فإنه لا يجر بها نفعا‏,‏ ولا يدفع بها ضررا وتقبل شهادته له فيما لم يوكله فيه لأنه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا تقبل شهادته له فيما هو وكيل فيه لأنه يثبت لنفسه حقا بدليل أنه إذا وكله في قبض حق فشهد به له‏,‏ ثبت استحقاق قبضه ولأنه خصم فيه بدليل أنه يملك المخاصمة فيه فإن شهد بما كان وكيلا فيه بعد عزله‏,‏ لم تقبل أيضا سواء كان خاصم فيه بالوكالة أو لم يخاصم وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة إن كان لم يخاصم فيه قبلت شهادته لأنه لا حق له فيه ولم يخاصم فيه‏,‏ فأشبه ما لو لم يكن وكيلا فيه وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أنه بعقد الوكالة صار خصما فيه فلم تقبل شهادته فيه‏,‏ كما لو خاصم فيه وفارق ما لم يكن وكيلا فيه فإنه لم يكن خصما فيه‏.‏

فصل

إذا كانت الأمة بين نفسين فشهدا أن زوجها وكل في طلاقها‏,‏ لم تقبل شهادتهما لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا وهو زوال حق الزوج من البضع الذي هو ملكهما وإن شهدا بعزل الوكيل في الطلاق لم تقبل لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا‏,‏ وهو إبقاء النفقة على الزوج ولا تقبل شهادة ابنى الرجل له بالوكالة ولا أبويه لأنهما يثبتان له حق التصرف ولا يثبت للإنسان حق بشهادة ابنه ولا أبيه ولا تقبل شهادة ابنى الموكل‏,‏ ولا أبويه بالوكالة وقال بعض الشافعية‏:‏ تقبل لأن هذا حق على الموكل يستحق به الوكيل المطالبة فقبلت فيه شهادة قرابة الموكل كالإقرار ولنا‏,‏ أن هذه شهادة يثبت بها حق لأبيه أو ابنه فلم تقبل كشهادة ابنى الوكيل وأبويه‏,‏ وذلك لأنهما يثبتان لأبيهما نائبا متصرفا له وفارق الشهادة عليه بالإقرار فإنها شهادة عليه متمحضة ولو ادعى الوكيل الوكالة‏,‏ فأنكرها الموكل فشهد عليه ابناه أو أبواه ثبتت الوكالة وأمضى تصرفه لأن ذلك شهادة عليه وإن ادعى الموكل أنه تصرف بوكالته‏,‏ وأنكر الوكيل فشهد عليه أبواه أو ابناه قبل أيضا لذلك وإن ادعى وكيل لموكله الغائب حقا‏,‏ وطالب به فادعى الخصم أن الموكل عزله وشهد له بذلك ابنا الموكل‏,‏ قبلت شهادتهما وثبت العزل بها لأنهما يشهدان على أبيهما وإن لم يدع الخصم عزله لم تسمع شهادتهما لأنهما يشهدان لمن لا يدعيها فإن قبض الوكيل‏,‏ فحضر الموكل وادعى أنه كان قد عزل الوكيل وأن حقه باق في ذمة الغريم‏,‏ وشهد له ابناه لم تقبل شهادتهما لأنهما يثبتان حقا لأبيهما ولو ادعى مكاتب الوكالة فشهد له سيده‏,‏ أو ابنا سيده أو أبواه لم تقبل لأن السيد يشهد لعبده‏,‏ وابناه يشهدان لعبد أبيهما والأبوان يشهدان لعبد ابنهما فإن عتق فأعاد الشهادة‏,‏ فهل تقبل‏؟‏ يحتمل وجهين‏.‏

فصل

إذا حضر رجلان عند الحاكم فأقر أحدهما أن الآخر وكله ثم غاب الموكل‏,‏ وحضر الوكيل فقدم خصما لموكله وقال‏:‏ أنا وكيل فلان فأنكر الخصم كونه وكيله‏,‏ فإن قلنا‏:‏ لا يحكم الحاكم بعلمه لم تسمع دعواه حتى تقوم البينة بوكالته وإن قلنا‏:‏ يحكم بعلمه وكان الحاكم يعرف الموكل بعينه واسمه ونسبه صدقه ومكنه من التصرف لأن معرفته كالبينة وإن عرفه بعينه دون اسمه ونسبه‏,‏ لم يقبل قوله حتى تقوم البينة عنده بالوكالة لأنه يريد تثبيت نسبه عنده بقوله فلم يقبل‏.‏

فصل

ولو حضر عند الحاكم رجل‏,‏ فادعى أنه وكيل فلان الغائب في شيء عينه وأحضر بينة تشهد له بالوكالة‏,‏ سمعها الحاكم ولو ادعى حقا لموكله قبل ثبوت وكالته لم يسمع الحاكم دعواه وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يسمعها إلا أن يقدم خصما من خصماء الموكل فيدعى عليه حقا‏,‏ فإذا أجاب المدعى عليه حينئذ يسمع الحاكم البينة فحصل الخلاف بيننا في حكمين‏:‏ أحدهما أن الحاكم عندنا يسمع البينة على الوكالة من غير حضور خصم‏,‏ وعنده لا يسمع والثاني أنه لا تسمع دعواه لموكله قبل ثبوت وكالته وعنده تسمع وبنى أبو حنيفة على أصله في أن القضاء على الغائب لا يجوز‏,‏ وسماع البينة بالوكالة من غير خصم قضاء على الغائب وأن الوكالة لا تلزم الخصم ما لم يجب الوكيل عن دعوى الخصم أنك لست بوكيل ولنا‏,‏ أنه إثبات للوكالة فلم يفتقر إلى حضور الموكل عليه كما لو كان الموكل عليه جماعة فأحضر واحد منهم‏,‏ فإن الباقين لا يفتقر إلى حضورهم كذلك ها هنا والدليل على أن الدعوى لا تسمع قبل ثبوت الوكالة أنها لا تسمع إلا من خصم يخاصم عن نفسه أو عن موكله وهذا لا يخاصم عن نفسه‏,‏ ولم يثبت أنه وكيل لمن يدعى له فلا تسمع دعواه كما لو ادعى لمن لم يدع وكالته‏,‏ وفي هذا الأصل جواب عما ذكره‏.‏

فصل

ولو حضر رجل وادعى على غائب مالا في وجه وكيله فأنكره فأقام بينة بما ادعاه‏,‏ حلفه الحاكم وحكم له بالمال فإذا حضر الموكل وجحد الوكالة‏,‏ أو ادعى أنه كان قد عزله لم يؤثر ذلك في الحكم لأن القضاء على الغائب لا يفتقر إلى حضور وكيله‏.‏

فصل

إذا قال‏:‏ بع هذا الثوب بعشرة فما زاد عليها فهو لك صح‏,‏ واستحق الزيادة وقال الشافعي لا يصح ولنا أن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأسا ولأنه يتصرف في ماله بإذنه‏,‏ فصح شرط الربح له في الثاني كالمضارب والعامل في المساقاة‏.‏